وجّهت ميريل ستريب تحية تقدير وإعجاب إلى صديقها الفنان الكبير روبرت دي نيرو، في حفل تكريم دي نيرو، في مركز هاري رانسوم بمدينة أوستن. وفي كلمتها القصيرة عنه قالت ميريل: «هو منارتي منذ خمسين عامًا». وأضافت: «أنا لا أراه في أغلب الأوقات، ولا نتبادل معًا الأحاديث، لكنني أعلم، بلا أي ريب، أنه دائمًا موجود هناك لأجلي، وسيظل دومًا موجودًا هناك».
في صيف 1973، وكانت ميريل في السنة الأولى من دراستها التمثيل في معهد الدراما، عندما حصل صديق لها، مايكل موريارتي، على دور رئيس في فيلم مهم هو «اقرع الطبل على مهل» Bang the Drum Slowly للمخرج جون هانكوك، قررت ميريل أن تشاهد الفيلم.. «سمعت أن صديقًا لي، كنت أعرفه أيام الكليّة، حصل على دور في فيلم كبير، وهو أول شخص أعرفه يشارك بالتمثيل في فيلم سينمائي. مايكل موريارتي كان ممثلاً شابًا جميلاً. لذلك قررنا، نحن الأصدقاء، أن نذهب معًا ونرتاد الصالة التي سوف تعرض الفيلم، لنشاهد تمثيله». الفيلم كان عن الصداقة التي تنشأ بين الرامي في لعبة البيسبول (مايكل موريارتي) وملتقط الكرة (روبرت دي نيرو) الذي هو مصاب بمرض عضال لا شفاء منه.
«مايكل كان عظيمًا، لكننا اتفقنا جميعًا على أن الشاب الآخر، المريض، الذي عثروا عليه في الجنوب، والذي لم يسبق له التمثيل، وهو أمر كان واضحًا لنا، أدى على نحو رائع، ولا يُصدَّق. اعتقدنا أنهم طافوا المناطق كلها بحثًا عن الشخص المناسب حتى وجدوه».
بعد شهرين، ارتادت ميريل وأصدقاؤها الصالة نفسها لمشاهدة فيلم مارتن سكورسيزي «الشوارع الدنيئة» Mean Streets، «وهناك رأينا الشاب نفسه، لكنه في هذه المرّة لم يكن بطيئًا في الحركة والفهم، ليس من أهل الجنوب، إنه شاب من نيويورك. وهو دنيء ووضيع تمامًا، كما أنه طليق اللسان، وسريع في الكلام. أداؤه أذهلنا، وعصف بنا. بحثنا في قائمة المشاركين في التمثيل، ووجدنا اسمه. قلت يا إلهي، إنه إيطالي، اسمه دي نيرو، وهو ممثل فعلاً وليس مبتدئًا».
بعد شهور قليلة، تشاء الصدف أن تتقاسم ميريل مع دي نيرو الظهور على الشاشة في فيلم لقي نجاحًا كبيرًا، على المستويين النقدي والجماهيري، هو «صائد الأيائل» (1978) The Deer Hunter.
تتذكر ميريل تلك الفترة، وتقول: «شاهدني دي نيرو ذات مرّة وأنا أمثّل في مسرحية لتشيخوف، في مركز لينكولن. وبعد أن مثّلتُ دورًا صغيرًا في فيلم تليفزيوني، لا أتذكّر منه أي شيء الآن، عنوانه "الفصل المميت" The Deadliest Season، التقى بي دي نيرو ورشّحني للدور الذي مثّلتُه في "صائد الأيائل". تاريخي طويل جدًا مع دي نيرو. منذ البداية كان مخلصًا ووفيًا، ووقف إلى جانبي حتى في أحلك الأوقات من حياتي. إنه الشخص الذي أعتمد عليه دائمًا. لكن في العمق، أنا حقيقةً لا أعرفه. هو من النوع الكتوم جدًا، المتحفظ والمنطوي. لم نكن نخرج معًا. عمومًا، لا أعتقد أنه كان يخرج ويتسكع. كان يعمل كثيرًا».
بعد ست سنوات، تقاسما بطولة الفيلم الرومانسي الجميل «الوقوع في الغرام» (1984) Falling in Love، والمشاركة الثالثة كانت في فيلم «غرفة مارفن» (1996) Marvin's Room. عندما سُئلتْ عن ديناميكية التمثيل مع دي نيرو، أجابت مازحةً: «كان يدفعني إلى الجنون! كنت أشعر أمامه بإرهاق شديد، ذلك لأنه يميل إلى إعادة تصوير كثيرٍ من المَشاهد مرارًا، من دون أن يتعب أو يمل، في حين أنني لا أطيق الإعادات. أكتفي عادةً بمرتين أو ثلاث. ذلك هو ما أقدر عليه. أشعر بعدها بإنهاك. أما هو، فمستعد أن يعيد التصوير عشرين مرّة أو أكثر، ولا أفهم السبب، ذلك لأنه في كلّ إعادةٍ، في كل لقطة، يؤدي على نحو رائع ومدهش، وعلى نحو مختلف أيضًا. أعتقد أن هذه هي طريقة عمله مع مارتن سكورسيزي: إنهما يصوغان المشهد، يشكّلانه، وتكون أمامهما كثيرٌ من الخيارات».
فيما يتعلّق بالممثلات المفضلات لديها، تقول ميريل: «عبر السنوات، دائمًا يسألني الآخرون عن الممثلة التي تحوز على إعجابي أكثر من الأخريات، ومسيرة مَن مِن الممثلات أرغب في محاكاتها». ميريل لديها قائمة طويلة من الممثلات اللواتي تكنّ لهن التوقير والتبجيل، والقائمة تضم: جيرالدين بيج، كولين ديوهيرست، فانيسا ريدجريف، ماجي سميث، كارول لومبارد، باربرا ستانويك. غير أن ميريل تضيف: «في الواقع، عندما شاهدتُ دي نيرو للمرّة الثانية، في "شوارع دنيئة"، قلت لنفسي، أريد أن أكون مثله، هذا هو نوع التمثيل الذي أرغب في أدائه، هذا هو ما أرغب في فعله، وأن أفعله بالتزام، بشغف، بمهارة، وبجمال، تمامًا مثلما يفعل دي نيرو. لقد كان منارتي طوال خمسين عامًا». وفي خطابها عن دي نيرو، تحدثت عن مصدر قوّته، فتقول: «قوته تأتي مما لا يقوله ولا يعرضه، مما يظل مدّخرًا، في الحفظ والكتمان. هذا يشبه طاقة الزلزال الكامنة التي تتفجر وقتما يشاء».
كما تطرّقت ميريل، في خطابها، إلى الدور الاجتماعي الذي بادر به شخصيًا، بعد أحداث 11 سبتمبر المأساوية، وتفجير البرجين في مدينته نيويورك، ممتدحةً ما ساهم به ماديًا ومعنويًا في التخفيف من الأضرار الجسيمة، ووصفته بـ«الوطني الحقيقي المحب لوطنه»، قائلةً عنه: «إنه الإنسان الذي يعيش وفقًا لولائه وإخلاصه لمُثله العليا، لبلاده، وللناس الذين يحبهم. وهو أيضًا الإنسان الذي حضوره في حياتي، طوال أربعين عامًا، كان مواسيًا على نحو متواصل».
ميريل ستريب من مواليد 1949. أدّت عديدًا من الأدوار المتنوعة، وقد ترشّحت للأوسكار أكثر من عشرين مرّة (رقم قياسي في الترشيحات) وفازت ثلاث مرات، كما رُشّحت لجائزة غولدن غلوب أكثر من ثلاثين مرّة، وفازت ثمانيَ مرات. تقول ميريل: «التمثيل لا يعني أن تكون شخصًا مختلفًا. إنه عن إيجاد تماثل في ما هو مختلف ظاهريًا، ثم إيجاد نفسي في الشخصية».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
:الهوامش
1. انظر إلى المصدر: September 27, 2022