مقالات

المسجد في سينما المسلمين والعالم

تُعتبر السينما أداة مهمة في عكس التصورات العامة حول الأديان والثقافات والأفكار. المسجد الذي يصلي فيه المسلمون الصلوات المفروضة هو أحد هذه الأماكن التي حاولت السينما استخدامه لتعزيز سردية الفيلم، وتراوَحَ ظهوره بين الإيجابي الدقيق وبين الظهور السلبي نتيجة الصورة النمطية السائدة، وبين هذا وذاك أستعرض معكم كيف تم تصوير المساجد والمسلمين في أفلام من أنحاء مختلفة من العالم في مصر والسعودية وإيران والهند وأوروبا وأمريكا.

أستفتح حديثي بمصر

وفيها أُنتج فيلم «ليلة القدر» (1952) لحسين صدقي. مُنع الفيلم من العرض قبل أن يتغير اسمه إلى «الشيخ حسن»، نسبة إلى بطل الفيلم الشيخ حسن معلم اللغة العربية. الفيلم المصوَّر بالأبيض والأسود نشاهد في افتتاحيته الشيخ حسن وهو يخطب في المسجد عن المُسكرات وحرمتها ثم يُفاجَأ لاحقًا بأبيه يتعاطى المسكر، ما يدفعه إلى ترك المنزل. المسجد في الفيلم ظهر بشكله التقليدي: مُصَلّون يستمعون إلى الخطبة، وخطيب يركز في موضوع خطبته التوعوية، ثم عندما يأتي وقت تطبيق ما قاله يكون ملتزمًا بعدم التهاون مع المسكرات فيترك السكن في منزل العائلة ليهيم على وجهه ويتغير هندامه مع الوقت من الزي الأزهري إلى البدلة والطربوش، ومع الأيام يقع في غرام لويزا، شقيقة تلميذه المسيحية، قبل أن يتزوجها عن حب، ثم نشاهدها تُسلِم في نهاية الفيلم قبل أن تموت، والحقيقة أن حسن لم يجبر لويزا على الإسلام ولم يدعُها إلى ذلك، ومع هذا فإن والد لويزا يتهمه بخيانة أمانة التعليم وذلك بحبه لابنته بدلًا من التركيز على تعليمها، وهي وجهة نظر معتبَرة إذا عدنا إلى وصية المعلم السابق للعائلة، حيث أوصى حسن بالاهتمام بالتعليم وأن يسمع منه ما يسره، ولكن قلب حسن وجد السرور في الارتباط بلويزا شقيقة تلميذه.

بشكل عام، تظهر المساجد في الأفلام المصرية بوصفها مكانًا للعبادة وطلب العلم، ويظهر منها الجمال المعماري وصوت الأذان. من أشهر الأفلام التي تناولت المسجد والخطاب الديني وتغذيته للتطرف أو الوحدة الوطنية في الألفية الثالثة، فيلم «حسن ومرقص»، ففي بداية الفيلم، يظهر المسجد بأجواء تحيطها القداسة والسكينة، وينعكس ذلك في دعاء عمر الشريف الذي أدى شخصية محمود، ليتقمص لاحقًا شخصية مُرقُص، فيما يتقمص القس بولس، الذي أدى دوره عادل إمام، شخصية الشيخ حسن حسب تعليمات السلطات، فيحدث ما لم يكن يتوقعه، حيث يستفتيه الناس ويسألونه عن شؤون دينهم، فيرُدّ حينها ردّه الشهير: «هو الدين بيقول إيه يا شيخنا». ومع كل جواب، يُكبّر الناس ويثنون عليه، وهو الأمر الشائع في عوام الناس، حيث يوافقون على ما يقوله المفتي لهم في المسألة. ولكن المخرج تعامل مع الأمر بسذاجة حين جعل الشيخ بلال وشيخ الجامع ينساقان في هذا النمط، ويجيبان عن كل مسألة يطلب الجواب فيها مرقص أو الشيخ حسن، من دون أن يكون بينهما أي نقاش أو حتى سكوت من الشيخ، بحيث ترتفع وتيرة التوتر في المجلس، ومن ثم يخرج منها برد مفاجئ يقلب التوتر إلى ضحك للمشاهدين أو الحاضرين في المسجد، خصوصًا إذا ما علمنا أن الضحك والمواقف المضحكة تتواجد في بعض الدروس العلمية، فهذه طبيعة البشر.

بشكل عام، نرى أن المسجد -وهو موضوع حديثنا- يظهر بجوار الكنيسة في بداية الفيلم بأشكال براقة مهيبة. ومع مرور الوقت، تقل هذه الهالة ويخفت هذا البريق تدريجيًا، حتى إذا وصلنا إلى نهاية الفيلم، نجد مَشاهد التحريض في خطاب شيخ المسجد وقسيس الكنيسة. وفي هذا المشهد، نشاهد كيف أن المسجد والكنيسة يظهران بشكل مظلم من الخارج، في حين أن الإضاءة داخلهما حادة وقوية، مع أنها تكون ناعمة في مَشاهد حسن ومرقص في المسجد والكنيسة، وهذا انعكاس لقوّتهما الناعمة، ولكن الإضاءة الحادة تتناسب مع الخطاب الحاد الذي يُدفع به العوام إلى الانقياد إلى فتنة دينية. ومع معرفة كل من العائلتين بحقيقة الآخر، نرى كيف أن الإضاءة تصبح مظلمة وحادة في مشهد الطاولة. ولكن حين يتخذ أبطال الفيلم القرار بالوقوف تجاه هذا التصعيد والسير معًا، نجدهم يخرجون جميعًا بملابس مدنية لا تدل على أي انتماء ديني: فلا حجاب، ولا صليب، ولا سبحة، أو طاقية. وهنا، يدلل العمل على رؤيته بأن يكون المجتمع متماهيًا وغير متمايز، ولو في المظهر. وفي سيرهم تجاه تحقيق هذه الوحدة، نشاهد الضربات والتجاوزات تأتي على وجه حسن ومرقص، ولكنهما يكملان اتحادهما ويسيران إلى هدفهما.

يُذكر أن فيلمًا آخر استعرض المسجد بشكل آخر وهو «فيلم ثقافي»، حيث الشخصيات أثناء الوضوء وهم يدعون ربهم بقولهم: «يا رب افرجها علينا يا رب». وفيه، نشاهد مغاسل الوضوء، ونرى الممثلين يتوضؤون، وهو فعل نادر الظهور في أفلام أخرى، لنشاهد بعدها المسجد ممتلئًا، وفيه في الصفوف الخلفية النساء، والرجال أمامهن. وبعد انتهاء الصلاة، يبدأ الإمام بإلقاء درسه الديني، ولكن تطلب منه إحدى الموظفات أن يستبدل بدرس المسجد درسًا مرئيًا في قاعة المحاضرات، لتتعقد الأحداث أمام الشباب في صالة العرض، حيث يتمكنون من الخروج من المأزق بفصل الكهرباء. ونلاحظ أن المسجد والإمام والمصلين ظهروا على نحو جيد ومناسب من حيث التمثيل والأداء والديكور.

الفيلم المصري الأخير الذي نستعرضه هو «صرخة نملة»، حيث يدخل البطل المسجد الذي يقف أمامه العسكر، فيوقفه الشرطي ويقول له: «أنت مش لسه مصلي الجمعة من خمس أسابيع؟» فيرد عليه بأنه نذر أن يصلي الجمعة إن أكرمه الله. لاحقًا، نشاهد خطأ فقهيًا غفل عنه المؤلف وفريق العمل، وذلك حين يخطب الإمام ويصلي الجمعة، وليس معه إلا البطل «جُوده»، وهما اثنان، في حين أنه يُشترط لصحة الجمعة أن يكون عدد المصلين أربعين عند الشافعية والحنابلة، واثني عشر عند المالكية، وثلاثة عند الأحنف، وليس اثنين كما في الفيلم. جدير بالذكر أن السينما المصرية استعرضت في أفلامها عديدًا من المساجد التي تحتوي على الأضرحة، مثل «السيدة زينب»، و«السيدة نفيسة»، و«السيد البدوي»، وغيرهم.

بالانتقال إلى السينما السعودية

نجد في فيلم «المسافة صفر» ظهور المسجد بشكله التقليدي: الإمام، ومجموعة المصلين، ومَن يبحث عن أحد في الحارة يسأل الإمام، فهو العارف بأخبار مَن حوله، ونجد فيه كذلك دور مكتبة المسجد ودورها في توعية المصلين وتوعية الجاليات، كما يعرج الفيلم على توظيف بعض الناس للمسجد في التغرير بالشباب لتجنيدهم في الجماعات الإرهابية، ونستطيع القول إن الفيلم حاول استعراض جميع ما يمكن القيام به في المسجد، وكان مظهر الإمام وزيّه الأقرب للدقة من بين جميع ما سبقها من أعمال محلية. أما في فيلم «حد الطار»، فالمسجد يظهر على نحو عابر حين خروج المصلين منه، بحيث لا يؤثر ظهوره في أحداث الفيلم.

وفي الدراما التلفزيونية، عرض مسلسل «سيلفي» حلقة لحادثة تفجير مسجد، وهي حلقة أعادت إلى الأذهان حادثة مسجد الطوارئ بعسير. وفي الحلقة، يظهر المسجد بوصفه مصلىً صغيرًا مليئًا برجال الأمن أثناء أداء الصلاة، قبل أن يدخل عليهم الانتحاري ويفجره، كما عُرضت حلقة في المسلسل نفسه تُصور تراجُع مفجّر عن نيته تفجير مسجد للشيعة. وفي هذا، قال مؤلف الحلقة السيناريست محمد حلال في تصريح لجريدة «الرياض» عقب عرض الحلقة: «أي فن أو أدب أو إبداع لا يتصدى للإرهاب، فهو ميت».

وكذلك كتب «خلف الحربي» حلقة بعنوان «سجدة»، تجسد معاناة أب في تأدية الصلاة، الأمر الذي يربك علاقته بعائلته ومجتمعه، ما قد يتسبب في انفصاله عن زوجه، حيث يبحث في الأقوال الفقهية في حكم تارك الصلاة. ولاحقًا تعرض الحلقة عدم علم البطل بصفة الصلاة على الميت. وفي هذا المشهد، تظهر مئذنة المسجد، ثم نشاهد لقطات مقربة لتأدية صلاة الميت، حيث اختار المخرج عدم استخدام كادرات واسعة حتى لا يحتاج إلى عدد كبير من الكومبارس، وهو أمر مفهوم، خصوصًا عندما نعرض صلاة الميت التي يشهدها المئات من المصلين. ومع مجريات الحلقة، نرى افتقاد جماعة المسجد للأب دون أن يظهر المسجد الذي يصلون فيه، فيما تنتهي الحلقة بعرض لقطات للمحلات وهي تغلق وقت الصلاة، وتكون هذه المَشاهد مصحوبة بصوت الأذان. ثم نسمع ابتهال الأب لربه ودعاءه أن يثبته، ثم يشرع بالتيمم، ويعود ليصلي من جديد بعد انقطاع، ولكن في البر وليس في المسجد، وهو أمر مفهوم حيث حان وقت الصلاة وهو خارج المدينة.

وفي السينما المغربية

عرض فيلم «الجامع» La Mosquée قصة موحا الذي يعمل عضوًا في فرقة للفنون الشعبية، وكان قد تعاون مع أحد الأفلام ليسمح له باستخدام أرضه وإقامة موقع تصوير فيها، وقد كان من المتوقع أن يضع صناع الفيلم مسجدًا صوريًا بحيث يُزال بعد الانتهاء من التصوير، ولكن المشكلة تبدأ حينما يتخذه سكان القرية مسجدًا، فيحاول موحا إقناع أهل القرية أنها أرضه وأنه ليس مسجدًا وإنما ديكورًا. ومع تعقد الحبكة، يزور أحد المشايخ في زاويته ويشرح له المشكلة على أمل أن يجد لها حلًا، وهنا يجيبه الشيخ عن مكانة المسجد في الإسلام بطريقة مباشرة، كما نسمع في الخطاب الديني حيث يقول له: «المسجد فضاء للتوحيد والعبادة والمعرفة النافعة، وهو مركز إشعاع روحي وإرشاد عقائدي وتوحيد ديني، وهو المكان المقدس لأداء الفريضة العظمى، ألا وهي الصلاة، ومدرسة لتلقين أحكام الشريعة وتعاليم الدين الحنيف، ومن بنى مسجدًا يذكر فيه اسم الله، بنى الله له بيتًا في الجنة».

يذهب موحا إلى فقيه آخر، ولكنه، كسابقه، يقول له: «أرضك تُعتبر صدقة جارية وسيعوضك الله عنها، وهذا قدر وأراد الله أن يكون المسجد هنا، والسبب هم صناع السينما!» وبعد محاولات، يجد صوت العقل في سلّام الذي يقتنع بشكواه ويقول لأهل القرية والشيخ إن «المساجد لها مواصفات شرعية، وهذا المسجد واجهة بُنيت لغرض فيلم السينما ولا يمكن اعتباره حقيقيًا، لكون المحراب غير موجه إلى القبلة، وأنا قدمت لكم لأبرئ ذمتي أمام الله والشرع» فيرد عليه فقيه القرية بقوله: «القانون يقول لا تهدم جامعًا حتى تبني غيره إن لم يكن هناك جامع آخر».

يستمر الصراع بين موحا وأهل قريته في الفيلم، وحتى يبقى المُشاهد متعاطفًا مع موحا، فإن المخرج لا يعرض لنا أي صلاة تقام في الجامع لنشعر بأنه مسجد لم يؤسَّس على التقوى، وليزيد التعاطف مع موحا نرى المسجد من الخلف، حيث تظهر الواجهة الخشبية مهترئة، ومع الوقت يُبرز الفيلم استخدام هذا المسجد من فقيه القرية بوصفه قاعدةً سياسيةً لجذب أصوات الناخبين، حيث يُستخدم لغير الغرض الذي دافعوا عن وجوده من أجله، وأنه مكان مقدس، لينتهي الفيلم وكلُ الناس ضد موحا، وليس معه إلا الله كما يقول. وجدير بالذكر أنه رغم هوية الفيلم المغربية، فإن المسجد فيه لم يكن يعكس شيئًا من جمال المعمار المغربي، وذلك عائد إلى الطبيعة الصحراوية للقرية التي صُوِّر فيها.

أما في السينما الإيرانية

فتظهر المساجد على أنها ملاذات روحية وأماكن عزاء وتأمل، ويظهر في مساجدها الهندسة المعمارية والزخارف والمخطوطات، فهي بمثابة تعبير فني للهوية الثقافية الإيرانية. وفي سنوات الثورة الأولى، كُثِّف ظهور المساجد لغايات تخدم النظام، وهو ما جعل ظهورها اليوم يواجَه بردة فعل عكسية، وهو الأمر الذي عبّر عنه المخرج «حسين فرح بخش» بقوله: «بعض الأمور التي كانت تُعتبر قيمًا قبل الثورة، لم تعد كذلك الآن، فحاليًا عندما تضع مشهدًا للصلاة في أي فيلم، يتذمر الجمهور! لأنهم يقولون إن هذا كذب وخداع، لأن الصلاة تكون مؤثرة حين يشاهدها الناس في عمل المرء وفعله، وليس في الظاهر فقط». وفي المجمل، تُصوَّر المساجد في بعض الأفلام لتسليط الضوء على قضايا مثل المحافظة الدينية، أو الصراعات داخل المؤسسات الدينية، وغيرها من الموضوعات التي تمثل انعكاسًا للتعقيدات داخل المجتمع الإيراني.

السينما الهندية

حضر فيها المسجد بصُوَر مختلفة عكست الفروق الدينية والسياسية للبلاد، فبعض المخرجين عرضوه بوصفه رمزًا للتنوع الثقافي والديني الغني في الهند، ومكانًا يعزز الوحدة الاجتماعية، وآخرون استخدموه بوصفه مكانًا ينمو فيه الشخص ويتطور على نحو إيجابي. وعلى النقيض، هناك من الأفلام الهندية ما استخدمت المسجد بوصفه موقعًا لممارسة الأنشطة المتطرفة بطريقة تؤدي إلى إذكاء الانقسام والتوتر الطائفي، ولهذا فالمسألة انعكاس للمشهد الاجتماعي في البلاد (والمخرج الفطن هو من يوظف المسجد بطريقة مناسبة للنص) وفي الوقت نفسه تساهم في الاستقرار المجتمعي، ليكون الفيلم فاتحة حوار وتفاهم لمجتمع أكثر شمولية، وهذا ما حاول أن يصل إليه فيلم «بي كيه» PK لعمران خان.

يحاول الفيلم معالجة التعصب الديني المنتشر بكثرة هناك، وفيه يظهر المسجد في أحد أحياء المسلمين، ويبدو لنا المسجد في شارع محاط بأعلام الهلال وبالكتابات الأُردية التي يستخدمها مسلمو الهند، حيث نقرأ إعلانات عن محاضرات وعن أماكن أضرحة لصالحين. حينما يسأل البطل عن موقع دار العبادة، أي المسجد، يشير أحدهم إلى مكانه ويتجه إلى هناك، وفي يديه قارورتان من الخمر، ليسلّمهما إلى الرب حسب الفهم الذي وصله من دار العبادة السابقة والتي كانت كنيسة، وهذا يثير غضب المسلمين فيلاحقونه، ليهرب منهم. الفيلم صور المسجد في بيئته الخالصة في الهند، ودلهي القديمة تحديدًا، حيث تحيط بالمسجد محلات المسلمين الذين يبيعون السجاد للمصلين، والأقمشة والمخطوطات والورود للزوار. نرى الأضرحة الملحقة ببعض المساجد، وبائع العود والسواك، ونشاهد المسلمين يرتدون الطاقية بألوانها، وبعضهم يتوشح الشماغ، فيما ترتدي النساء الحجاب والنقاب كذلك، كما يظهر عدد من عربات الطعام في هذه المنطقة القديمة في حياة المدينة. ويستند الفيلم إلى فكرة تعالج التعصب الديني، وكيف يمكن للمذهب الواحد أن يُفسَّر بطرائق مختلفة حسب البيئة والثقافة المحيطة به.

وبالانتقال إلى السينما الأوروبية

نجد أن المساجد عُرضت بطرائق مختلفة، بداية من إظهارها بوصفها منصة لتنمية الثقافية الروحية، مرورًا بتصوير واقعها في بعض المراكز الإسلامية، وانتهاءً بتكريس بعضها للصورة النمطية وتعزيز حالة الإسلاموفوبيا. ومن الأفلام الجديرة بالتوقف عندها فيلم «الرسالة» و«الأبرياء» للتأكيد على مكانة المسجد الروحية، فيما أظهرت أفلام مثل «الأسود الأربعة» Four Lions الجانب السياسي، وكذلك فعل الفيلم الهولندي «ليلى م» Layla M، الذي أظهر المسجد كحلبة صراع بين أبناء الجالية، حيث نشاهد ليلى تتوضأ للصلاة بجوار زميلاتها، ثم نراهُنّ يُصلّين في مصلى النساء، وأمامهن شاشة تليفزيونية تنقل المشهد من مصلى الرجال، وبعد الصلاة تسود المكان أجواء ودية بين النسوة المصليات. وفي مشهد آخر نشاهد ليلى ترتدي النقاب وتقف خارج المسجد مع مجموعة من النساء في مظاهرة ضد منع النقاب، في حين أنها لم تكن هي وزميلاتها المنظمات منتقبات، ولكنها تفعل ذلك بحثًا عن الانتماء المفقود حيث تعيش، ولذلك مع مرور الأحداث تنحاز إلى الطرف الذي سيودي بها إلى ساحات القتال، لتحاول العودة بعد فوات الأوان. ونلاحظ أن الفيلم قدّم المسجد بوصفه مكانًا للعبادة وحاول النأي به عن أي استقطاب سياسي، ولهذا اقتصرت المشاهد في المسجد على الصلاة والأحاديث الودية بعد الصلاة. وبالمثل يفعل المسلسل السويدي «الخلافة» Caliphate، حيث تدور أحداثه في مدينة الرقة، وفي المسلسل بالطبع يكون المسجد هنا حلبة للصراع السياسي. ومع تطور السينما الأوروبية، يحاول صناع الأفلام أن يساهم وجود المسجد في خلق مشهد سينمائي أكثر شمولية ودقة من السابق.

نختم جولتنا بهوليوود

وفيها تم تصوير الأفلام على نحو متفاوت، ولكن في أحد أنجح الأفلام، «مالكوم إكس» Malcolm X، يظهر المسجد على نحو إيجابي، رغم الصراعات التي كانت بين مالكوم وأعضاء جماعة أمة الإسلام، وخصوصًا تلك المشاهد في مساجد مصر، وفي الحج، والحرم. ولاحقًا تأثرت هوليوود بتداعيات أحداث سبتمبر وحرب العراق، فظهر المسجد على نحو نمطي سلبي، وفي بعض المسلسلات عُرض المسجد بوصفه مكونًا أساسيًا في حياة الشخصية، مثل مسلسل «الهروب من السجن» Prison Break، وفيه يظهر مسجد اسمه Aalim Mosque، بُنِيَ بواسطة الجرافيك والرسومات ثلاثية الأبعاد. من الداخل، يظهر المسجد بوصفه خلفية جمالية وديكورًا للحديث بين لينكولن وبينجامين. الفيلم أظهر المصلين وهم يصلون، وكثير منهم قد اعتمروا الطاقية بأشكال مختلفة، حيث يرتديها بعضهم للتعريف بدينه في المجتمعات ذات الديانات المتعددة. ورغم انتباه المسلسل إلى هذه الجزئية، فإنه قد أخفق في قيام المصلين مباشرة بعد انتهاء الصلاة، ولم يظهر ذلك على نحو تتابعي عفوي، بل بدا وكأن جميع المصلين يخرجون بتوجيه من المخرج، وليس لأنهم انتهوا من الصلاة.

المسلسل الأمريكي «رامي» Ramy ناقش الهوية، والتمييز، والاندماج، والعقبات التي تواجهك بوصفك مسلمًا في أمريكا، وفيه نشاهد محاولات المصلين توجيه رامي في الوضوء في المسجد وكيف يصلي، ونرى الأعراق المختلفة التي تقصد المسجد، فيما يحاول رامي العثور على ذاته في ظل اضطراب الهوية الذي يعيشه منذ قدومه بصحبة أهله إلى أمريكا. ويبقى أن نقول إن تصوير المساجد في هوليوود، على نحو إيجابي أو سلبي، إنما هو نتيجة لحالة المشهد الثقافي والإعلامي الذي تمر به الولايات المتحدة في كل فترة، حيث تلعب وسائل الإعلام دورًا كبيرًا في توجيه الرأي العام الأمريكي.

ختامًا، إن تصوير المساجد وأماكن العبادة في السينما أمر معقد، ويختلف التعاطي معه من فيلم إلى آخر، وفي حين تقدم بعض الأفلام تمثيلًا إيجابيًا، كما عرضنا، فإن هناك أفلامًا أخرى قد تحتضن صورًا نمطية، وتعززها، ولكن مع تقدم الوقت والمزيد من الحوار الثقافي، نأمل في مشاهدة المزيد من العرض الإيجابي للمساجد في الأعمال السينمائية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
:الهوامش

أ. عادل نور
مواد الكاتب

اقرأ ايضًا