من الحلم إلى الفيلم: انطلاق الدورة الثانية عشرة لمهرجان عفت السينمائي الدولي لأفلام الطلاب في جدة

أ. قيس عبداللطيف
و
April 10, 2025

في ظلِّ حراكٍ فنيٍّ مُتصاعد يسعى إلى تعزيز مكانة المملكة في مشهد السينما العالمية، تنطلق في جدة فعاليات النسخة الثانية عشرة من مهرجان «عفت» السينمائي الطلابي تحت شعار «من الحلم إلى الفيلم!»، ليكون موعدًا سنويًا يُعيد تعريف إمكانات الجيل الجديد من صناع الأفلام، ويعزز دور السينما كمرآة للثقافة والتواصل الإبداعي بين الشعوب.

الحدث الذي يُعيد تعريف السينما الطلابية

يُقام المهرجان في مقر جامعة عفت بمدينة جدة خلال الفترة الممتدة من الثالث عشر إلى الخامس عشر أبريل 2025، ويُشكِّل حدثًا محوريًا لاحتضان المواهب الشابة في مجال الإخراج والسيناريو. منذ انطلاقته، حافظ المهرجان على هدفه الرئيسي: تشجيع المخرجين الناشئين على رواية قصصهم بحرية، وإيصالها إلى جمهورٍ أوسع، سواءً عبر أفلامٍ روائية أو وثائقية أو قصيرة تلامس قضايا إنسانية واجتماعية. في دورته الثانية عشرة، شهد المهرجان إقبالًا عالميًا لافتًا، حيث استقطب أكثر من 2200 مشاركة من أكثر من 100 دولة. ومن بين هذه المشاركات، تم اختيار 56 فيلما تمثل 28 دولة، تتنافس جميعها على جوائز مالية تتجاوز الخمسين ألف ريال سعودي.

وتُظهر الإحصائيات التي كشف عنها الدكتور محمد غزالة، رئيس مدرسة الفنون السينمائية بجامعة عفت ومدير المهرجان، أن الدورة الحالية حققت إنجازًا غير مسبوق في حجم المشاركة الدولية، مما يعكس ثقة المجتمع السينمائي العالمي بمكانة المهرجان، كما تشهد الدورة مشاركاتٍ واسعة من طلاب الجامعات السعودية، تأكيدًا لدور المهرجان في دعم الإبداع المحلي وربطه بالتجارب العالمية.

ويعتبر دعم المشاريع السينمائية حافزًا للمشاركين، حيث سيُقدَّم للفائزين دعمٌ مادي لتطوير مشاريعهم القادمة، إلى جانب التكريمات الرمزية التي تُعزز مسيرتهم المهنية. كما سيشهد المهرجان تكريمًا لشخصيات سينمائية بارزة، تقديرًا لإسهاماتهم في تطوير صناعة الأفلام محليًّا وعالميًّا، في خطوةٍ تُبرز تكامل الخبرات بين الأجيال.

برنامجٌ غني بالفعاليات: من العروض إلى ورش العمل

يُقدم المهرجان برنامجًا متنوعًا يتجاوز مجرد عرض الأفلام، إلى تنظيم ندواتٍ وورش عمل يُشرف عليها خبراء عالميون في صناعة السينما، مثل كتابة السيناريو والإخراج والتصوير. هذه الفعاليات تُشكل فرصةً ثمينة للطلاب للاستفادة من خبرات المُحترفين، وتبادل الأفكار مع زملائهم من دولٍ مختلفة. كما يُضفي المهرجان بعدًا تفاعليًّا من خلال المناقشات التي تُعقد بعد العروض السينمائية، وتُتيح للجمهور التفاعل مع المخرجين والمشاركة في تحليل الأعمال الفنية.

دعمٌ من القيادة الأكاديمية والاجتماعية

أكدت الدكتورة هيفاء جمل الليل، رئيسة جامعة عفت، أن المهرجان يُقام برعاية كريمة من صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة الفيصل، نائبة رئيس مجلس الأمناء والمشرف العام على الجامعة، مشيرةً إلى أن الحدث «يعكس رؤية الجامعة في دعم الإبداع وخلق فرصٍ تواصلية بين الطلاب من مختلف الثقافات». وأضافت أن المهرجان يُعتبر منصةً فريدة تجمع طلاب السينما من الوطن العربي ومن مختلف أنحاء العالم، لعرض إبداعاتهم أمام جمهورٍ مهتم وخبراء في المجال.

أما الدكتور محمد غزالة، فقد أوضح أن المهرجان يهدف إلى «بناء جسورٍ بين الأجيال الجديدة من المخرجين، وفتح آفاقٍ جديدة لهم عبر التفاعل مع نجوم صناعة الأفلام». وأشار إلى أن الفعاليات تُعد مساحة عملية لاختبار مهارات الطلاب وتطويرها، مما يجعل المهرجان جزءًا من منظومة تعليمية تُعزز الكفاءات المحلية والعالمية.

دعوةٌ للجمهور: بين المشاهدة والتفاعل

لا يقتصر دور الجمهور في المهرجان على المشاهدة فقط، بل يُعتبر شريكًا في رحلة الإبداع عبر مشاركته في النقاشات الثرية حول الأعمال المعروضة. كما يُقدم المهرجان عروضًا مجانية لجمهور جدة، مما يُسهّل الوصول إلى شريحة أوسع من المهتمين بالسينما، خاصةً الشباب والطلاب.

بعد 11 دورة، يواصل مهرجان عفت السينمائي الدولي لأفلام الطلاب ترسيخ مكانته كركيزة أساسية في تطوير صناعة السينما السعودية والعربية، حيث يُعد منطلقًا لعددٍ من المواهب الشابة مانحا إياهم الفرصة للنمو والتطور حتى يصبحوا مُحترفين في عالم الأفلام. وفي دورته الحالية، يُواصل المهرجان رسالته في تحويل الأحلام إلى أفلام، وتحويل الأفلام إلى قصصٍ تُلامس وجدان العالم.

من صالات الجامعة إلى العالمية: قصة برنامج الفنون السينمائية في جامعة عفت

تعيدنا الدورة الثانية عشرة من المهرجان إلى قصص السينمائيين الناجحين الذين انطلقوا من أبواب جامعة عفت نحو العالمية. ففي قلب نمو وتطور الثقافة السينمائية في السعودية، برزت جامعة عفت كمنارةٍ لصناعة الأفلام، حيث ساهمت في تشكيل قصص نجاح جيلٍ جديدٍ من المخرجين الذي أعادوا تعريف الهوية الثقافية عبر الكاميرا. ويُعد برنامج الفنون السينمائية، الذي أسسته الدكتورة هيفاء جمل الليل، رئيسة الجامعة، ثورةً في التعليم الفني، حيث جمع بين الرؤية العالمية والهوية المحلية. وقد دُشن البرنامج عام 2013 بهدف صناعة سردٍ سينمائيٍّ يعكس الواقع دون فقدان الجذور، مستلهمًا من تجربة الدكتورة هيفاء في جامعة كاليفورنيا الجنوبية (USC)، حيث لمست هناك قوة السينما في صياغة الثقافة.

الخريجون: صوتٌ يُعيد كتابة التاريخ

تُبرز قصص الخريجين المتفرِّدة كيف مهَّد البرنامج الطريق لقصصٍ حققت النجاح وأحدثت تغييرًا ملموسًا. ومن بينهم سارة مسفر خريجة برنامج جامعة عفت وصاحبة فيلم "من يحرق الليل"، الذي عُرض في مهرجان "بالم سبرينغز" بالولايات المتحدة وفاز بجائزة السينما الصاعدة في مهرجان قرطاج السينمائي 2021. إلى جانب جواهر العميري، صاحبة فيلم "انصراف" الفائز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان القاهرة السينمائي 2024، ثم خالدة باطويل، صاحبة فيلم "كادي عند أمنا حواء" المدعوم من مركز الملك عبدالعزيز الثقافي (إثراء)، وأخيرًا دُر جمجوم، التي استلهمت فيلمها "كُم-كُم" من ذكريات الطفولة، وتغلَّبت، خلال تصويره، على تحديات البيئة البحرية بفضل الخبرات العملية التي حصلت عليها في الجامعة قبل أن يحقق الفيلم النجاح ويُعرض ضمن برنامج مهرجان البحر الأحمر السينمائي.

واليوم، تُخطط جامعة عفت لتعزيز دورها كـ "منصة عالميةٍ للإبداع"، عبر توسيع شراكاتها مع مهرجاناتٍ دولية، وإنشاء مشاريعٍ تُتيح للطلاب عرض أفلامهم أمام خبراء محليين وعالميين، مع تركيز خاص على تمكين المرأة، حيث أن 70% من خريجي البرنامج هن نساء مبدعات، أصبحن اليوم يُمثِّلن الصوتَ النسائي المتفرِّد في السينما السعودية.

الهوامش:

اشترك في النشرة البريدية

احصل على أحدث المقالات والأخبار مباشرة في بريدك الإلكتروني
تم إضافتك ضمن النشرة البريدية, شكرًا لك!
نعتذر حدث خطأ, الرجاء المحاولة مرةً أخرى