«الجميع يحب تودا»: الحدود الضيقة بين الحب والكراهية المخرج نبيل عيوش في حوار حصري مع «ميم»

آلاء حسانين
و
February 5, 2025

في كل مرة تفتح تودا فمها بالغناء، تخسر شيئًا ما. رغم ذلك، فإن تودا مسكونة بالموسيقى، وتحلم أن تصبح مغنية. يراودها الرجال السكارى عن نفسها، لكنها ترد كل مرة قائلة: «أنا مغنية ولست عاهرة» فيرد صاحب الحانة: «قليلاً من هذا وقليلاً من ذاك». لذلك تتوق تودا لأن تصنع لنفسها مكانة حقيقية بوصفها مغنية، لكن المشهد الافتتاحي يبدأ باغتصاب جماعي لها بعد ملاحقة من مجموعة رجال في طريق مشجر، فهل الجميع يحب تودا حقًا؟

تحاول تودا الهرب إلى كازابلانكا لتحقيق حلمها، لأنها تتعرض للإذلال في قريتها الصغيرة، يتحرش بها الرجال، تُطرد من الحانات، وتُعامل بعدم احترام، فهي في نظر كثيرين مشبوهة أخلاقيًا، ووضيعة المكانة، وعاجزة. تحاول عبثًا بحثًا عن حياة أفضل لها ولابنها الأصم والأبكم، لكن معظم المال الذي تحصل عليه ليس من الغناء، بل من البقشيش الذي يضعه لها الرجال في صدرها.

فكرة احترام النساء في المجتمع المغربي متقلبة وهشّة، خصوصًا بالنسبة إلى أولئك النسوة اللواتي يعشن على هامش المجتمع، لكن تودا المكهربة بالرقص والغناء، تصر على استعمال الموسيقى بوصفها طريقة وحيدة لاكتشاف الذات، على الرغم من أن هذه الطريقة تجعلها محاطة بالرجال الجائعين ولمساتهم الطامعة. تحاول تودا أن تصبح «شيخة» -أي مغنية- لكن الجميع يراها كفضيحة.

من أكثر اللحظات المؤثرة في الفيلم هي تلك التي تغني فيها تودا، حيث تنسى كل شيء حولها وتغني كما لو أن الغناء هو كل شيء. تؤدي تودا «العيطة» وهو نوع من الغناء الفلكلوري المغربي المتأصل في شعر التحرر. تغني تودا عن الحرية والحلم، عن الحب والفقد، وتعيش تلك المشاعر بكل جوارحها؛ تحيا الحرية وتحلم بالحب، تختبر الفقد وتجسده في صوتها.

«الجميع يحب تودا» هو رحلة مغادرة أكثر من كونه رحلة وصول، حيث يدور معظم الفيلم حول تودا التي تحلم بالهروب من عالم يهيمن عليه الرجال، وهي ابنة فلاحين فقراء، ترعى ابنًا أصمًا، وتقاتل من أجل استقلالها، وتنهض عندما تكون مصابة، وتؤمن بمستقبل أفضل في كازابلانكا. لكن هل ستغادر حقًا؟ هل ستختار نفسها؟ هل ستصبح شيخة أم ستحبط أحلامها؟

تتألق نسرين الراضي في دور تودا، حيث تلتقط الكاميرا أدق تعابير وجهها ببراعة. الموسيقى الرائعة من الملحن الدنماركي فليمينغ نوردكروغ تضيف عمقًا إضافيًا للفيلم، ورغم أن الفيلم يقدم ميلودراما كلاسيكية بجودة عالية، فإن تسارع السرد في الجزء الأخير -ربما نتيجة التحرير المتسرع أو الرغبة في تقصير مدة الفيلم- يؤثّر في توازن القصة ويمنعها من الوصول إلى ذروتها المتوقعة.

في حوار للمخرج نبيل عيوش مع منصة «ميم»، سُئل عن استلهامه لشخصية تودا في الفيلم، فقال: «الشيخات كنّ يطاردنني في أفلامي منذ فترة طويلة. أتحدث عنهن منذ سنوات عديدة. أنا مُعجب بهؤلاء النساء منذ زمن بعيد، لأنهن قويات، مستقلات، ويحملن تقليدًا عريقًا. هذا التقليد هو العنصر الذي يظهر في الفيلم. إنه تقليد قديم وجميل وله معنى سياسي. لذا كنت أقول دائمًا لنفسي إنني يومًا ما سأصنع فيلمًا عن واحدة منهن، وأعيد لهن مكانتهن بوصفهن فنانات، وليس عاهرات، كما أن موضوع الشيحات إرث من طفولتي وأمي. لقد تربيت على يد أم عزباء، كانت تحب الغناء حتى الآن. لكن لصنع الفيلم، قمت ببعض الأبحاث، والتقيت بكثير من الشِّيحات في المغرب، وأخبرنني جميعهن بقصصهن. لكن لا توجد قصة واحدة هي قصة تودا. إنها مزيج من عديد من القصص، وعديد من قطع القصص التي شكّلت شخصية تودا التي زُيِّنت بالخيال».

وبالنسبة إلى المَشاهد العنيفة في الفيلم، أوضح المخرج أنه سمع مثل هذه القصص مرات عديدة، قصص العنف ضد النساء التي تصل إلى حد الاغتصاب مثل المشهد الافتتاحي في الفيلم، وعندما تحدّث مع الممثلة عن وجود مشاهد صعبة في الفيلم قالت: «إنها حياتنا اليومية» وأضاف: «لكن الأكثر إثارة للدهشة بالنسبة لي هو أنه في اليوم التالي يُجبَرن على الاستمرار والمضي قدمًا والعودة إلى حياتهن اليومية مرة أخرى».

وعن صنعه لأفلام وصفها البعض بأنها مثيرة للجدل قال عيوش: «لا أعرف ما إذا كان الفيلم مثيرًا للجدل أم لا، ولا أريد أن أعرف. بالنسبة لي، غناء الشيخة ليس مثيرًا للجدل على الإطلاق. لذا إذا سألتني اليوم، سأقول لك إن هذا الفيلم ليس مثيرًا للجدل، وآمل وأعتقد أنه سيتم إصداره على نحو رسمي أكثر. وسيُفهِم الناس ما أريد التعبير عنه بشأن هؤلاء النساء، ولماذا من المهم أن يُسمعوا ويُروا».

أما عن اختيار الممثلة نسرين راضي أوضح المخرج أنه لم يُجرِ «كاستينج» للفيلم، لأنه لم يكن يرى أحدًا غيرها في الدور، حتى إنه كتب دور تودا من أجلها.

هناك مشهد في هذا الفيلم تُطرد فيه تودا من المسرح في النادي الليلي لأنها بدأت تغني العيطة، لأن الناس يعتقدون أنها حزينة جدًا. كل العيطات حزينة. وعندما سئل عن الفرق الرئيس بين العيطة وما كانت تغنيه تودا قبل ذلك أجاب عيوش: «العيطة هي أغنية، هي شعر. والناس لا يذهبون إلى النادي الليلي لسماع الشعر، وهي تريد أن تغني هذا الشعر بالطريقة النقية؛ هذا هو حلمها. تريد أن تُرى بوصفها فنانة تحمل هذا التقليد. هناك عدد قليل جدًا اليوم ممن لديهم هذه العقلية، ومن الصعب فرض ذلك في مكان يأتي فيه الناس للشرب والاستمتاع. لذلك، عندما أتوا من أفقر أجزاء البلاد، من الريف، ومن الجبال في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، بدأت الشيخة تغني في هذه الأماكن، وكانت الشيخات مجبرات على غناء نوع آخر من الموسيقى نسميه في المغرب "الموسيقى الشعبية" وهذا ما يتوقعه مديرو الكباريه والعملاء من هؤلاء النساء، ولهذا عندما تقرر تودا عدم غناء هذا النوع من الموسيقى، تُطرد من المكان».

وحول تطور نظرة الشعب المغربي بشأن هذا النوع من الغناء، قال عيوش بأنه قد بدأ يُنظر إليه في بعض الأماكن بوصفه نوعًا من الأوبرا المغربية أو الفن التقليدي الجدير بالاحترام، وأضاف: «آمل أن يساعد هذا الفيلم في تعزيز هذا المنظور، لأن هذا هو السبب الرئيس وراء قيامي بهذا الفيلم، لإعادة الكرامة والاحترام لهن، لأنه بالنسبة إلى كثير من الناس، الشيخة لا تزال تعني العاهرة، إنها إهانة، وهذا هو الأمر المحزن، ولكن الحدود بين الكراهية والحب في بعض الأحيان ضيقة جدًا».

تُعد الموسيقى في الفيلم جزءًا لا يتجزأ من القصة، ويصفها عيوش بـ«الشعر القديم» مضيفًا: «أحاول فهم معنى الكلمات، لأن تلك الكلمات لا تأتي من العدم. لها قصة.. تاريخ، وقد انطلقتُ من تلك النقطة لبناء الموسيقى، لأخذ هذا التراث وإعادة ترتيبه بطريقة أكثر عصرية، كما عملت مع ملحن دنماركي للموسيقى التصويرية لإبراز الجزء الحميم من حياة تودا في الفيلم».

وعند سؤاله عما يعني له وجوده في مهرجان كان أجاب عيوش: «أن أكون في كان؟ حسنًا، أقول إنها بداية رائعة. لا أستطيع إلا أن أكون فخورًا بوجودي هنا، وأشعر بالبركة. لقد كان العالم كله هنا مساء أمس خلال العرض لرؤية وسماع قصة تودا، لرؤية هذه المرأة وسماع الأغاني وفهم الثقافة والتقاليد التي هي ليست ثقافتهم ولا تقاليدهم».

وأضاف: «في كان لدينا هذه القدرة على نقل كل شيء إلى العالم كله في مكان واحد، فإنه سحر، إنه جمال»، وأوضح أن جمال تجربة العرض في كان يكمن في أن المخرج «يصنع الأفلام فقط»، دون الحاجة إلى التفكير في ردود الفعل التي قد يثيرها الفيلم، على عكس المخاوف التي تراود المخرج بشأن عدم الترحيب بفيلمه في المغرب لما يعرضه من أفكار غير تقليدية، واستطرد قائلاً: «لا أريد أن أستبق ردود الفعل. أعتقد أنه في هذا الوقت ستكون ردود الفعل إيجابية، آمل ذلك، لكني لا أريد التفكير في ذلك. أريد التركيز على ما يجب أن أقوله وما يجب أن أعبر عنه، وأعتقد أن الناس في بعض الأحيان يشعرون بالأذى لأسباب سيئة فقط لأنهم لا يفهمونك».

غالبًا ما تسلط أفلام عيوش الضوء على المشكلات الاجتماعية في المغرب، وعن رأيه في قدرة السينما على إحداث تغيير في المجتمع قال: «بالتأكيد أومن بذلك، وإلا كنت سأفعل شيئًا آخر».

الهوامش:

اشترك في النشرة البريدية

احصل على أحدث المقالات والأخبار مباشرة في بريدك الإلكتروني
تم إضافتك ضمن النشرة البريدية, شكرًا لك!
نعتذر حدث خطأ, الرجاء المحاولة مرةً أخرى