تشاو، عامل في مصنع، يسعى جاهدًا لإعادة جثة صديقه ليو تشوان يو، ليُدفن في بلدته التي تبعد آلاف الكيلومترات. هذه الفكرة البسيطة التي ستكشف عن عمق فلسفي هي محور أحداث الفيلم الصيني «العودة إلى الوطن» (Getting Home (2007، الذي أخرجه وشارك في كتابته المخرج الصيني تشانغ يانغ. كان ليو قد أوصى صديقه أن يدفن جثته في مسقط رأسه، «لأن الميت يصبح شبحًا تائهًا إن لم يُدفن قرب بيته»، كما عبَّر تشاو، ولأن «ورقة الشجر الساقطة تعود إلى جذورها»، كما يقول المثل الصيني.
لتحقيق هذه الوصية، في الحالة الواقعية يُرسَل الميت في صندوق أو تابوت عبر أي وسيلة نقل. لكن في هذه الحالة ستكون القصة قد انتهت، كما أن تشاو لا يملك النقود الكافية لفعل ذلك. والحل البديل هو أن يحمل تشاو جثة صديقه بطرائق مختلفة ويعامله معاملة الحي. بهذه الطريقة يتخذ تشانغ من الموت عتبة فنية للحديث عن الحياة والموت والصداقة والوفاء ويكشف عن معادن الناس.. عبر رحلة طويلة وشاقة يمر بها تشاو وهو يحمل جثة صديقه على ظهره وعلى متن حافلة وشاحنة وجرار وجرافة وسيارة شرطة وداخل إطار شاحنة.
الميت رجلٌ نائمٌ
يلغي المخرج تشانغ الفارق بين الحياة والموت في مشهدين: في مشهد الافتتاحية، نرى تشاو وهو يحث صديقه ليو على شرب كأس آخر من أجل الطريق، في حين يبدو ليو للمُشاهد فاقدًا الوعي بتأثير من الشراب، وفي مشهد الحافلة، يضع تشاو نظارة شمسية على عيني صديقه، ويتركه على المقعد لينزل مع بقية الركاب للتبول. يبقى ليو وحيدًا على الحافلة ووجهه محدّق إلى صفوف النساء اللاتي يستهجنّ تلصصه عليهن.
يعتذر تشاو للنساء عن سلوك صديقه بحجة أنه أسرف في الشراب. ما من داعٍ لإخبار الركاب بالحقيقة إلا عندما يصعد اللصوص على متن الحافلة ويشرعون في سرقة ما بحوزتهم من مال وممتلكات. يطلب تشاو من زعيم اللصوص أن يسلب ماله، على أن يحتفظ بمدخرات صديقه من أجل جنازة تليق به. أمام هذا الوفاء يتعاطف زعيم العصابة مع تشاو ويخبره بأنه لا يقل عنه إخلاصًا، ولمكافأته على وفائه يعيد له ماله والأموال التي سلبها من الركاب. وقبل أن ينزل أفراد العصابة من الحافلة، يحذر الزعيم الركاب من أخذ المال، لكن تشاو الطيب يسمح لهم بأخذ أموالهم.
هنا قد يتساوى اللصوص مع الشرفاء، لكن تشانغ يذهب أبعد من ذلك ليرينا نزاهة اللصوص وخسة مَن نظنّهم «شرفاء». يرفض الركاب البقاء مع جثة ميت على متن الحافلة ويطلبون استرداد أموالهم، وينتهي الموقف بطرد تشاو مع جثة صديقه. ينسى الركاب أن أموالهم عادت إليهم بفضل تشاو وبفضل جثة صديقه. يخاطب تشاو صديقه طوال الرحلة وكأنه لا يزال على قيد الحياة! سيُخيَّل إلى المُشاهد في البداية أن تشاو يفعل ذلك بتأثير الشراب، وما أن يعرف المُشاهد أن ليو ميت سيدرك أن المخرج يدعونا لتأمل الموت والحياة لينعكس الوضع على المُشاهد نفسه: هل أنت حي أم أنك جثة تسير على قدمين!
في مشهد لاحق سنرى جثمان مُسنّ ثري وهو في التابوت، حَوْله حشد من الناس يبكون بحرقة. سيستثمر تشاو طقوس الجنازة هذه من أجل الحصول على وجبة دسمة بعد أن عانى من حمل صديقه على ظهره. ينصب تشاو صديقه ليو كفزاعة إلى جوار فزاعات عديدة في الحقل، ثم يلتحق بحشد المعزين ليشاركهم البكاء. وهو يتناول الطعام، يقوم الميت ليجلس إلى جوار تشاو. يسأل الرجل تشاو ما إذا كان صديقًا قديمًا أو أحد معارفه البعيدين، ولماذا بكى بصدق مع أنه لا يعرفه! يجيب تشاو بأنه كان يبكي على نفسه وعليه وعلى صديقه ليو، ثم يخبره بقصته مع صديقه. في المقابل يخبره الرجل بحقيقة هذه الجنازة المزيفة. يقول له بأنه يعيش وحيدًا بلا أبناء بعد أن تُوفيت زوجته في سن مبكرة، وبأنه أراد أن يرى جنازته قبل موته، وأن كل من يبكي في هذه الجنازة هم في الحقيقة ممثلون ما عدا تشاو.
في المشهد الأول سيعتقد المُشاهد أن ليو حي، وهو في الحقيقة ميت، وفي المشهد الثاني سيعتقد المُشاهد أن الرجل المسن ميت. بهذا الخداع يكون تشانغ قد أعاد تعريف الحياة والموت وألغى الحد الفاصل بينهما ليقول إن المظاهر خادعة. وفي مَشاهد أخرى سينزع عن الأحياء، الأثرياء تحديدًا، صفة الحياة بتعاملهم اللاإنساني مع تشاو ورفضهم مساعدته مع أنهم قادرين على المساعدة.
يقول لنا تشانغ -من خلال هذين المشهدين- إنه لا فرق بين الحي والميت، فالميت رجل نائم، ويمضي أبعد من ذلك ليقول إن الموتى واللصوص أكثر نفعًا وفائدة من الأحياء. يتحدث تشاو مع ليو كما لو أنه حي، ويستعمله كفزاعة طيور، وحين تُغلَق الأبواب في وجهه يكتشف أن صديقه الميت في نعيم، ويدرك أن الموت أفضل من الحياة، فيقرر أن يدفن نفسه إلى جواره. يحفر القبر ويشرع في محاولة قتل نفسه، لكن ثمة يدًا للخير تمتد لتنقذ تشاو ليواصل رحلته ومهمته.
رحلة اليأس والأمل
حين يخبر تشاو الرجل الثري بالحقيقة، يصفه هذا بقوله: «حين يكون الرجل جائعًا بما يكفي، يصير صادقًا». والحقيقة أن تشاو يتسم بالصدق لولا أن الناس يدفعونه إلى الكذب. في الطريق يحاول إيقاف السيارات، لكن أغلبهم يرفض التوقف، ومَن يتوقف يرفض توصيله حين يعلم أن تشاو يحمل جثة. هنا يلجأ تشاو إلى القول إن صديقه يعاني من أزمة قلبية أو أنه نائم بتأثير من الكحول.
ينتمي الفيلم إلى ما يُسمى بأفلام الرحلة أو أفلام الطريق. يلتقي تشاو في هذا الطريق الطويل بنماذج إنسانية طيبة أو شريرة ولا يكتفي تشاو بسماع قصص هؤلاء، بل يشارك في حلها: شاب عاشق تخذله حبيبته بعد أن وعدته بانتظاره إذا ما قطع بشاحنته 300 كيلومتر، لكنه بعد أن وفى بوعده عاد فوجدها قد هربت. ينصحه تشاو بقطع 300 كيلومتر آخر وسوف يجد حبيبته، فالحياة لا تتوقف ما دام لدينا القدرة على السير. ويلتقي بامرأة تعمل في كنس الشوارع من أجل مستقبل أفضل لابنها الذي يدرس في الجامعة. يقع تشاو في حبها ويعدها بالعودة ليعيشا معًا. يلتقي بشاب رحال سعيد ومتفائل يجوب البلاد على دراجته ويساعد تشاو في دفع العربة التي يحمل عليها جثة صديقه.
يلتقي بعصابة تدفع الفقراء للتبرع بالدم من أجل المال ولا يهمها إن كان الدم ملوثًا أم لا. يلتقي بزوج استقال من وظيفته ليتفرغ لرعاية زوجته التي تشوه وجهها بسبب حريق في المصنع. استبدل الزوج تربية النحل بالوظيفة وأصبحت الأسرة تتنقل من مكان إلى آخر في الطبيعة بعيدًا عن تنمر الناس. تنقذ هذه الأسرة تشاو حين يقرر يائسًا أن يدفن نفسه إلى جوار صديقه. يقول تشاو: «حين دخلت القبر لأقيسه شعرت براحة كبيرة فقررت الرحيل معه.. على أي حال ليس لدي كثيرٌ لأقدمه للعالم». يرى تشاو أن لا قيمة له، فلا شيء ليقدمه للعالم، مع أن صنيعه لصديقه فيه قيمة كبرى لحياته، وكذلك يفعل البسطاء بأفعالهم الخيّرة. يعالج تشانغ هذا اليأس بأغنية أمل تأتي على لسان الطفل. يغنيها تشاو بعد ذلك لتكون نافذة أمل في طريق الألم: «لو كان الوطن بحرًا فسأكون سمكة تسبح فيه بسعادة. لو كان الوطن طريقًا، فسأكون سيارة تسير عليه بسعادة. لو كان الوطن شجرة، فسأكون ورقة صغيرة تتأرجح على نسماته بسعادة».
يلتقي بمالك مطعم جشع يضربه لأنه لم يدفع الفاتورة باهظة الثمن كاملة، وبمُلّاك سيارات يرفضون توصيله على طريقهم، ويكتشف أن مدير المصنع قد منح ليو مستحقاته بنقود مزورة. في المقابل نماذج الطيبين أكثر: الشرطي الذي يدفع له ثمن صندوق صغير لحفظ رُفات صديقه، وعاملة النظافة التي تعطيه المال الذي جنته من تبرعها بدمها، وسائق الجرافة وسائقو الشاحنات الذين يساعدونه في حمل جثة صديقه..
في الطريق الطويل نشاهد صورًا للوطن بأحزانه وأفراحه، بسلبياته وإيجابياته. نرى الفلاحين وهم يحرثون الأرض ويزرعونها، والعمال وهم يُعبِّدون الطرقات ويبنون الجسور. نشاهد صورًا للطبقية لا تُظهرها الكلمات. جميع الذين يساعدون تشاو في تنقلاته هم من الطبقة الكادحة، سائقو عربات وشاحنات، بينما يأنف أصحاب السيارات الفارهة من مساعدته. في النهاية، يصل تشاو قبل تلك السيارات التي رفضت مساعدته؛ يجدها واقفةً بسبب انهيار صخري سَدَّ الطريق. نرى الحياة من خلال هذا المشهد كماراثون، وخط النهاية لا يصله من يمتلك سيارة سريعة فارهة، بل من يمتلك عزيمة ومبادئ وقدمين قويتين. نقف هنا على شاهد آخر لفوز السلحفاة على الأرنب في سباق الحياة. يقول لنا تشانغ إن الحياة هي هذه الرحلة الطويلة أو القصيرة، ونحن نحمل خلالها جثثنا صعودًا أو هبوطًا، متأرجحين بين الألم والأمل.
رمزية الموت
إكرام الميت في الفن لا يكون بدفنه، بل بتعريته. للجثة في الفن أهمية تفوق تلك التي لدى الأحياء. الجثة في الفن عتبة ومنصة ومنبر يخاطب الفنانُ عبرها الأحياء، الجثة معادل موضوعي للأحياء، صورتهم وحقيقتهم المتفسخة. وحين يخاطب الفنان جمهوره من خلال الجثة أو الموت، فهو لا يطلب منهم البكاء -على الجثة أو على أنفسهم- وإنما يطلب منهم إعادة التفكير، وما من وسيلة أفضل من الكوميديا السوداء؛ هذا النوع من الضحك أبلغ شكل للبكاء.
نحن أمام استعمال للموت يوازي في رمزيته استعمال الله لجثة هابيل ليعلمنا درسًا في كيفية دفن الموتى. ينتهي درس الله بدفن قابيل لأخيه، أما جثة ليو فيُطاف بها عبر مساحة شاسعة من الصين. خلال هذا الطريق نرى كيف أن اللصوص أكثر وفاءً من «الشرفاء»، والموتى أكثر نبلًا من الأحياء. الحكمة هنا لا تأتي بلسان الفلاسفة بل بلسان البسطاء. يقول زعيم اللصوص: «الخداع أدنى أشكال الخيانة»، مع أنه في هذه اللحظة كان يسلبهم المال ويحذرهم من خداعه! وحين يعرف أن ليو ميت يقول: «إنه أفضل وهو ميت»، فالحياة، بناء على تجربته، أكثر مشقة.
جثث على قيد الحياة
التقنية السردية في فيلم «العودة إلى الوطن» (2007) سنجدها في رواية «الموت عمل شاق» (2016) للروائي السوري خالد خليفة، وفي قصة أقدم بعنوان «الجثة» للقاص الكردي فرهاد شاكلي (2003) ترجمة الشاعر والروائي جان دوست. في رواية خليفة، ينفّذ الأبناء وصية والدهم بدفنه في مسقط رأسه، وخلال رحلة العودة يعرض خليفة نماذج لمعاناة الأبناء في الطريق الذي أصبح طويلًا بفعل نقاط التفتيش الكثيرة التي تسيطر عليها فصائل أو مليشيات متعددة بعد اندلاع الثورة السورية التي حُوِّلت إلى حرب أهلية.
لستُ أدري لمَ قال التركي مراد منتيش: «الموت عمل سهل»، لكني أعلم لمَ قال خالد خليفة: «الموت عمل شاق». لعل منتيش أراد من خلال روايته القول بعبثية الحياة حتى أصبحت سلعة، وغدا معها الموت سهلًا ومرغوبًا. عبثية الموت نقطة مركزية في رواية خليفة: «ففعل القتل لم يعد يستدعي الحيطة والحذر»، كما عبّر السارد في الرواية.. والموت لم يعد طبيعيًا في بلاد سادها القتل: «الأب وحده مات بشكل طبيعي بينما بقية الجثث التي تعبر الطريق أودت بها الحرب»... «لا يُعقل أن يموت أحد بشكل طبيعي، حتى جارته أمّ الياس ماتت ذبحًا رغم بلوغها الثمانين».
وفي المجتمعات الطبيعية يكون الموت خاتمة تنتهي معها المعاناة، وبمواراة الجثة تحت الثرى تنتهي متاعب الحياة، لكن في مجتمعات أخرى تلوكها الحرب لا تنتهي متاعب الجثة بموتها ودفنها، إذ يمكن اعتقال جثة، وهذا أبسط إجراء ممكن، فـ«الحياة والموت مجموعة أوراق رسميّة».. كما جاء في الرواية.
نلتقي في رواية خليفة بعائلة فرّقت ظروفُ الحياة أفرادَها وجمعهم الموت: «وقعوا في الفخّ، وأصبحت جثّته وسيلتهم لإنقاذ أنفسهم، جثة تثير التعاطف أحيانًا، وتبرّر وجودهم معًا على هذا الطريق في مثل هذا الوقت، كانت (الجثة) فرصة حقيقيّة لاختبار مستقبل علاقتهم كأفراد عائلة واحدة».
إذا كان الموت عملًا شاقًا كما يقول العنوان، فإن المتن يكشف أن الحياة عمل أكثر مشقة. السارد العليم يسيطر على أحداث القصة ويتخذ زمنُ السرد من الطريق مرشدًا لتوجيه دفة الحكي. أثناء السفر، عادةً ما يستعيد المرء ذكرياته ومواقف مختلفة من حياته، وهذه هي استراتيجية السرد، بالانتقال من حاضر شخوص القصة إلى ماضيهم، وتعمل الحواجز على الطريق الطويل كمحطات إفاقة تُخرج السرد أو السارد من سرحانه في ذكريات «بلبل» والعودة إلى الانشغال بالطريق: «حين تسير السيّارة يعود الثلاثة للتفكير في حياتهم، يحاولون نسيان ورطتهم في هذه الرحلة».
يعكس خالد خليفة عنوان منتيش، لكنه يلتقي معه في بعض الجوانب، مثلما اتفق معه من قبل في أن الموت عمل سهل، وذلك في عبارة وردت في روايته «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة»: «الموت بسيط كدلق كأس ماء على أرض جافة».1
في قصته «الجثة»، سبق فرهاد شاكلي كلًا من فيلم تشانغ ورواية خليفة في القول إن الموت عمل شاق. نُشرت قصة «الجثة» بالكردية ضمن «أنطولوجيا القصة الكردية» في عام 2003، أما تاريخ كتابتها فلا شك أنه أقدم. ضمت الأنطولوجيا 95 قصة اختار منها الروائي جان دوست 26 قصة وترجمها إلى العربية في كتابه «مختارات من القصة الكردية القصيرة». وربما تكون هناك أعمال فنية وأدبية أو سردية أقدم اتبعت التقنية نفسها.. المهم هنا هو التوظيف الذكي (للجثة) الذي اتسمت به الأعمال الثلاثة.
في قصة شاكلي، يحمل الابن جثة أبيه بناء على وصيته ليعود بها إلى مكانٍ ما تركه الكاتب مجهولًا. يقول السارد: «جثة تفوح رائحتها ويجب عليّ أن أوصلها إلى مكان ما... اختار أبي بنفسه هذه الوجهة وأرادنا أن نسير على هذا الطريق وما عليّ إلا أن أواصل السير في الطريق الذي اختاره هو قبل موته.. لم أكن أعرف إلى أين سنصل، لكن كان عليّ أن أواصل السير مبتعدين عن مكان وصولنا. كان عليّ أن أوصل أبي، أن أوصل جثة أبي إلى مكان ما. وعليّ أن أترك الجثة ورائي في هذه البرية. علي أن أذهب لأصل إلى مكان ما. لا يمكن أن أبقى إلى الأبد جالسًا بجانب جثة واضعًا وجهي بين كفي. لو كان ذلك مفيدًا لفعلت. لكن لا جدوى من ذلك. أعرف أنه لم يعد بإمكاني الوصول به إلى مكان آخر، فما عليّ إلا أن أدعه وراء ظهري وأرحل. على الأقل سأنقل خبر موته».
باستعمال هذه الجثة المعنوية أو الماهوية، يتساءل الابن عن معنى الموت والحياة: «ترى ما الفارق بيني وبين أبي الآن؟ لا فرق. صحيح أنه ميت وأنا ما زلت أعيش، لكن لا أحد يعلم شيئًا عنا نحن الاثنين. وما لم أصل إلى مكان، فلن يعرف أحد أن أبي قد مات وأنني أعيش. أنا الوحيد الذي يعرف أنه قد مات، لكن من ذا الذي يعرف أنني ما زلت على قيد الحياة؟»
يستعير شاكلي جثة الأب ليكشف بها وطأة الإرث الثقيل الذي يخلّفه الآباء للأبناء. في هذه الحالة لا يعود ممكنًا التعرف على أي منهما هو الميت: الذي رحل أم الذي ورث عن الراحل تاريخه وتراثه وعاداته وتقاليده وأوامره ونواهيه! والنتيجة أن مستقبل الأبناء مجهول، يستمرون فقط في المشي وهم يحملون جثث آبائهم، وجثثهم، ولا يدرون إلى أين يمضون!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
:الهوامش
1.الموت عمل شاق - خالد الخليفة صفحة 255