النقد

ما وراء بوليوود: سينما الأقاليم الهندية

اشتُقَّت الحروف الأولى من كلمة بوليوود Bollywood من اسم مومباي القديم، فقد كان يُنطق ويُكتب بومباي، وجاءت الحروف الأخيرة في الكلمة من هوليوود كنوع من التعبير عن المنافسة بين الأفلام الهندية وبين تلك التي تنتجها أكبر استديوهات العالم في هوليوود. ومن ضمن الأخطاء الشائعة في التعامل مع السينما الهندية: النظر إليها بوصفها نسيجًا واحدًا، أو اعتبارها نوعًا سينمائيًّا واحدًا؛ فالواقع أن كلمة بوليوود لا تنطبق إلا على أفلام الشمال الهندي فقط! أما الجنوب فيمتلك لسانًا آخرَ تمامًا، ومن ثم سينما أخرى تُعبِّر عنه وتفرض نفسها عبر خصوصية تميزها عن سينما بوليوود ذائعة الصيت. وعلى الرغم من أن الهند دولة تتحدث عشرات اللغات، إلا أنها اعتمدت على اللغة الأردية في أفلامها خصوصًا في البدايات، ولذلك اعتُبر مَن يتحدث بها هو الأكثر مهارة وطلبًا للعمل، ما حقق نوعًا كبيرًا من الانتشار والشهرة لسينما الشمال دونًا عن التجارب الأخرى التي ظهرت في مناطق مختلفة داخل الهند. فخارج الصورة البراقة لسينما بوليوود باذخة الألوان، هناك عدد من التجارب السينمائية التي حاولت أن تجد لنفسها موطأ قدم، حتى لو قامت على التجريب والتغريد خارج النغمة السائدة لبوليوود ولسانها الأردي؛ لتظهر مع الوقت مراكز منافسة لصناعة السينما  تُسمَّى سينما الأقاليم الهندية، يُنسب كل مركز فيها إلى المدينة التي خرج منها؛ مثل كولكاتا في الشرق، وشينايّ وحيدر آباد وبانغالور في الجنوب. ولعل من ألمع التجارب التاريخية للسينما الإقليمية في الهند -والتي تُعتبر نموذجًا يُحتذى به- تجارب المخرج العالمي ساتياجيت راي (1921-1992) الذي تمسك بإخراج أفلامه باللغة البنغالية.

تتعدد سينما الأقاليم الهندية بتعدد أقاليم الهند. ويُعبر كلٌّ منها عن خصائص معينة تعكس الطبيعة الديموغرافية للإقليم. ومن أشهر تلك الأنواع:

السينما التاملية [كوليوود Kollywood]؛ وهي سينما مركزها مدينة كودامباكام في تشيناي، وتوجد داخل مقاطعة التاميل نادو أقصى الجنوب الغربي للهند، وهي الصناعة السينمائية التي تحتل المركز الثاني بعد سينما بوليوود. وعرفت القوة في التسعينيات من القرن العشرين لأول مرة، وزادت شاشات العرض، وكذا الأفلام التي يتم إنتاجها بشكل سنوي. وق تزامن ذلك مع ظهور عدد كبير من نجوم التاميل الذين يسيطرون على المشهد السينمائي الراهن في الهند. ومن أشهر نجومها: كمال حسن، وراجني، وشيان فيكرام، وشريديفي. ومعظم مَن نالوا شهرة كبيرة في السينما البوليوودية بدأوا حياتهم في سينما التاميل، مثل: ايشواريا، وبريانكا، وكاترينا، وسوشميتا، وأمريتا راو، وأسين، وكاجول. وبصفة عامة يمكن التعرف على سينما التاميل من خلال اعتماد أفلامها على اللغة التاميلية في الحوار، وهي تختلف تمامًا عن الأردية التي تعتمدها بوليوود في أفلامها. إضافة إلى ذلك تمتلك سينما التاميل نجومًا مميزين خاصين بها، وفي الغالب لا يترك الممثل المنتمي لإقليم معين في الهند نوع السينما الخاص به لينتقل إلى نوع آخر. ومن الأمور المميزة أيضًا لسينما التاميل اهتمامها بالحركة؛ فأساس الفيلم لديها يعتمد على الحركة المضاف إليها مشاهد درامية أو كوميدية، وعلى الرغم من أن هذه سمة عامة في الأفلام الهندية، إلا أن سينما التاميل تمتلك أكبر مجموعة أفلام منتمية لهذا النوع. وإذا كانت سينما بوليوود قد حاولت التخلص من تيمة الانتقام كإحدى التيمات الرئيسة التي تميزها، فإن هذه التيمة لا تزال حاضرة بقوة في أفلام التاميل. ولعل من أهم أفلام سينما التاميل: (سيفاجي) 2007، و(إندهيران) 2010، و(البداية) 2013، و(شرارة) 2016.
ولا يمكن النظر إلى الأفلام التاملية على أنها إعادة إنتاج لأفلام بوليوود، على الرغم من أن العكس قد يكون صحيحًا في بعض الأحيان. فالفيلم بالغ الصيت (غاجيني- Ghajini) من تمثيل عامر خان 2008، هو إعادة إنتاج لفيلم تاميلي بطولة سوريا سيفاكومار، وفيلم أكشاي كومار (عطلة- Holiday) هو أيضًا إعادة إنتاج للفيلم التاميلي (توباكي-  Thuppakki) من بطولة جوزيف فيغاي Vijay.  
يتمثل النوع الرئيس الثاني في سينما إقليم التيلجو، المعروف أيضًا بسينما توليوود Tollywood، وهو المصطلح السابق وجوده زمنيًّا على اسم بوليوود. وسينما التيلجو جزء من السينما الهندية المخصصة لإنتاج الصور المتحركة بلغة التيلجو، ومقرها في فيلم ناجار، وهو حي في حيدر آباد بتيلانجانا. منذ عام 1909، شارك المخرج راجوباثي فنكيا نيدو Raghupathi Venkaiah  في إنتاج بعض الأفلام القصيرة والسفر إلى مناطق مختلفة في آسيا؛ للترويج لبعض مشاريع الأفلام. وفي عام 1921، أنتج أول فيلم صامت بلغة التيلجو، وقد تم اعتباره الأب الروحي لسينما التيلجو. وتتنافس سينما التيلجو مع سينما التاميل على المركز الثاني في صناعة الأفلام في الهند بعد بوليوود. وفي عام 1933، أنتجت شركة شرق الهند East India Film أول فيلم هندي لها بلغة التيلجو من بطولة سافيتري Savitri، وقد استند الفيلم على عرض مسرحي شهير قام به ساماجام Samajam، من إخراج الأب الروحي لحركة مسرح التيلجو سي بوليا Chittajallu Pullaiah، وصُوِّر الفيلم بميزانية تُقدَّر بنحو مليون روبية [14000 دولار أمريكي] في كلكتا، وقد حصل الفيلم الرائد على شهادة فخرية في مهرجان البندقية الدولي الثاني. وتنتمي معظم أفلام مخرج الهند الأكثر شهرة ساتيا جيت راي للسينما البنغالية أي إلى توليوود. فهذا المخرج مثله مثل الأديب الهندي العالمي طاغور، من أبناء إقليم البنغال، الذي كتب بلغة قومه، بينما الثاني أنطق الممثلين في أفلامه باللغة التي يتحاور بها أبناء بلده.
وبالإضافة إلى اللغة -كأحد طرق تمييز أفلام التيلجو عن غيرها- فإن هذا النوع من الأفلام يعتمد أكثر على الحوار والاستعراض الخطابي والجمل الرنانة التي تبقى في الذاكرة مدة طويلة، لدرجة يستشعر معها المشاهد أن كل الأفلام التي يشاهدها تعود إلى مؤلف واحد أو كاتب سيناريو معين. بالإضافة لذلك هناك طريقة مميزة يتم تقديم البطل في خلالها داخل أفلام التيلجو؛ فالبطل في هذه السينما يدخل على نحو به جانب كبير من الاستعراض المشابه لظهور الممثلين على خشبة المسرح. وكما هو الحال في سينما بوليوود والتاميل، هناك ممثلون خاصون بسينما التيلجو مثل: رام شاران، وألو أرغون، وبراداس، وباوان كليان.
ولدينا سينما الكانادا، أو كما يُطلق عليها بالإنجليزية Sandalwood، إضافة إلى النوعين السابقين، وهي جزء من السينما الهندية، ورابع أعلى صناعة سينمائية في الهند بعد سينما بوليوود وسينما التيلجو وسينما التاميلية، وهي مخصصة لإنتاج الأفلام في اللغة الكنادية بأكثر من 100 فيلم كل عام. واعتبارًا من عام 2013 أصبحت مدينة بنغالور في ولاية كارناتاكا بالهند مركز عددٍ من استوديوهاتها صناعة سينما الكانادا.
وهناك أيضًا السينما المالايالامية، وهي جزء من صناعة سينما الأقاليم الهندية، وخامس أكبر الصناعات السينمائية في الهند بعد السينما البوليوودية والسينما التاميلية وسينما التيلجو وسينما الكانادا. وتختص بإنتاج الأفلام في اللغة المالايالامية، ويقع مقرها في مدينة ثيروفانانثابورا عاصمة ولاية كيرلا الهندية. ومن المعروف أن الأفلام المالايالامية تتميز بمحاكاة السينما الموازية والسينما السائدة من خلال تصوير قضايا اجتماعية مثيرة، مع تقنيات فنية عالية، ولكن بميزانيات منخفضة.
يتمثل التحدي الأكبر بالنسبة للسينما الهندية -بأنواعها المختلفة- في تخطي بعض التقاليد القديمة في صناعة الأفلام التي فرضتها الضرورة التاريخية. وعلى الرغم من أن تلك التقاليد -الأساطير، والحركة المفرطة، والأغاني، والتيمات المتكررة… إلخ- تميز الأفلام الهندية، وتعبر عن هويتها الخاصة أمام  باقي التجارب السينمائية في كافة أنحاء العالم، إلا أن سيادة هذه التقاليد دون تغيير أو تطوير كان سببًا رئيسًا للانتقادات العديدة التي تُوجه للسينما الهندية؛ لكونها تهمل الواقع ومشكلاته. يقول فارما -وهو كاتب سيناريو شاب-: "أرى أشياء مختلفة في المستقبل.. المشكلة الأكبر لصُنَّاع السينما في بوليوود هي مشاهدتهم كثيرًا من الأفلام ذات مواضيع ومواقف غير واقعية". هذا النقد كان منذ فترة ليست ببعيدة أكثر الانتقادات شيوعًا للسينما الهندية في عمومها. ومن هذا المنطلق، عبرت الجارديان عن انتقادات مماثلة وُجهت إلى سينما الأقاليم، أهمها الوقوع في الكليشيه؛ أي الصورة النمطية المعاد تكرارها. وعلى سبيل المثال تعتمد السينما التاميلية على فكر المطاردات باعتبارها فعلًا رومانسيًّا للفوز بقلب البطلة. وقد نشرت بي. بي. سي  B.B.C على موقعها دعوى لإحدى الناشطات النسويات تطلب من المخرجين والجهات الفاعلة المشاركة في صناعة السينما التاميلية الامتناع عن إنتاج أو الظهور في الأفلام التي تصور العنف والمطاردات بأنها "وسيلة مرحة ومقبولة لجذب المرأة". مأخذ آخر ذكره المخرج فيروز عباس خان مفاده "أن هناك حاجة لسينما قادرة على مناقشة ما يحدث في المجتمع، إذ يبدو أن هناك بعض القضايا شديدة الأهمية تواجهها البلاد فعلًا، ولا يوجد مكان لها داخل الأعمال السينمائية". لكن الواقع أن ما تشهده السينما الهندية خلال السنوات الأخيرة من اهتمام أكبر بمشكلات واقعية -سواء كانت معبرة عن أزمات داخلية أو خارجية، على سبيل المثال لا الحصر: كاكا موتاي، وفيساراناي، وأسوران… إلخ- جعلها تنتقل إلى مرحلة أكثر واقعية من ذي قبل، وهي المرحلة التي بمقدورها الحفاظ على إعادة تشكيل هوية جديدة للسينما الهندية وسط التجارب السينمائية الأخرى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
:الهوامش

1.أستاذ الجماليات- كلية الآداب- جامعة القاهرة.
بدر الدين مصطفى
مواد الكاتب

اقرأ ايضًا